أمر الله المسلمين أن يتجهوا في صلاتهم إلى قبة واحدةهي الكعبة المشرفة في مكة المكرمة فقال تعالى : (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره).
ومعنى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) أي قبله كما قاله المفسرون.
أما الذي يصلي وهو يشاهد الكعبة فقط أمر بأن يتجه بجسمه نحو عين الكعبة، فعن ابن عباس قال لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال هذه الكعبة .
وقد حكى القرطبي الإجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على المعاين.
وإذا كانت مشاهدة الكعبة فضيلة يؤجر عليها المسلم كما ثبت ذلك من قول ابن مسعود : فإن الذي يصلي إلى عين الكعبة أكمل توجهاً نحو القبلة من غيره.
وعندما دخل اليمنيون في دين الله أفواجاً أرسل لهم معلمين يعلمونهم الدين كان منهم علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، ووبر بن يحنس وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبر بن يحنس الخزاعي الذي وجهه إلى صنعاء أن يبني لهم مسجداً، عرف بمسجد صنعاء، وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم أوصاف المسجد، فحدد موضعه في صنعاء، وحدد علامة واضحة هي جبل ضين الذي يبعد عن صنعاء حوالي (30)كم وبتحديد جبل ضين حدد لهم زاوية الميل بين موضع المسجد والجبل كما حدده ـ أي الجبل ـ جهة القبلة المسجد.
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم ـ المعصوم من الخطأ ـ هو الذي حدد الصفات التي يكون عليها المسجد من حيث دقة الموقع، وزاوية الميل نحو الكعبة، وجهة المسجد بالنسبة للكعبة، فلاشك أن هذا التوجيه سيكون دقيقاً، لذلك كان أهل اليمن ولا يزالون يعتبرونه أفضل مساجد اليمن، لأنه بني طبقاً لتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفه .
وإذا كان من أهم صفات المسجد ضبط قبلته نحو الكعبة، فسنرى في هذا البحث كيف حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الأوصاف والمعالم التي جعلت المصلى في مسجد صنعاء وكأنه يراها وهذا من تمام بناء المسجد.
وبهذا الوصف الدقيق من الرسول صلى الله عليه وسلم يكون قد حدد خطاً مستقيماً من موضع مسجد صنعاء إلى الكعبة في المسجد الحرام بمكة المكرمة.
ومن الشروط المطلوبة لرسم خط بين مدينتين متباعدتين:
إن المسافة بين صنعاء ومكة هي (815كم)تقريباً فإذا أردنا رسم خط مستقيم بين مكة وصنعاء فلابدّ مما يلي:
1. وجود خريطة تعتمد على الصور الحقيقية لسطح الأرض المأخوذة بالطائرات أو الأقمار الصناعية وذلك لنتمكن من تحديد موقع المسجد. وموقع مكة تحديداً دقيقاً.
2. لابد من معرفة خطوط الطول وخطوط العرض على سطح الكرة الأرضية لمعرفة زاوية الميل بين الموقعين بالنسبة للشمال المغناطيسي.
3. لابد من معرفة مقدار ارتفاع مكة وصنعاء عن سطح البحر لنتمكن من معرفة درجة الإنحناء الناتج عن السطح الكروي لسطح الأرض.
فالخريطة المسطحة للأرض لا تمثل الحقيقة لأن الأرض كروية وليس مسطحة، ووضع الخرائط المسطحة ـ إذا كانت دقيقة ـ تفقدنا المسافة أو الجهة بين أي موقعين متباعدين على سطح الأرض.
1ومن هنا نتساءل : متى تمكن الإنسان من استيفاء هذه الشروط:
والاجابة أن الإنسان لم يتمكن من وضع الخرائط الدقيقة للأرض إلا في القرن العشرين الميلادي بعد أن صنع الطائرات والصواريخ بعيدة المدى التي تحمل الأقمار الصناعية وآلات التصوير الدقيقة، وغيرها من الأجهزة.
2. ولم يتمكن الإنسان من وضع خطوط الطول والعرض الدقيقة للأرض إلا في القرن العشرين بعد أن تمكن من وضع الخرائط الدقيقة لسطح الأرض بأكمله ـ مشتملاً على البحار والجزر والقارات.
3. ولم يتمكن من معرفة المرتفاعات والمنخفضات على سطح الأرض إلا في القرن العشرين بعد أن امتلك الأجهزة الدقيقة التي تحدد له إرتفاع كل جبل وانخفاض كل وادي على سطح الأرض.
ونتساءل هنا أيضاً : هل توفرت هذه الشروط في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
و الجواب لا ، ويعرف كل عاقل فضلا عن الباحثين والدارسين فتأمل إلى أول خريطة للأرض وضعها الإدريسي في عام (1154م) بعد الهجرة النبوية بحوالي خمس قرون ونصف لقد وضع اليمن جنوب شرق الجزيرة ووضع عُمان شمال شرق الجزيرة وتأمل في الخريطة التي وضعها (جيوفاني لردو) بعده بثلاثة وتأمل إلى خريطة الجزيرة العربية المأخوذة بالأقمار الصناعية لترى الفرق بين موقع مكة واليمن، فضلاً عن الفرق بين موقع مكة وصنعاء.
علماً بأن الأدريسي وجيوفاني لردو من روّاد البشرية في رسم خريطة الأرض!! بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم بقرون .
// المصدر: موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة .. الشيخ عبد المجيد الزنداني ..