المفكره الأسلاميه
أخيتي الغالية، لازلنا نعيش مع دار البوار في رحلتنا إلى الدار الآخرة، عاينا أهوالها سويا، ورأينا أهلها كيف يقاسون فيها أنواع العذاب الرهيب الذي لم تره عين، ولا تسمع عنه أذن، ولم يخطر لبشر على بال.
كم خاف منها الصالحون؟!
ولأجل ما وصفناه لكِ من أهوال دار البوار، استقام الصالحون على طريق الله تعالى، بعدما وجلت منهم القلوب، وذرفت منهم العيون؛ خوفًا وإشفاقًا على أنفسهم من هذه الدار الرهيبة.
وخذي هذه الباقة العطرة من أخبارهم؛ علكِ تسيري على آثارهم؛ فتلحقي بهم في زمرة الناجين من عذاب السموم.
( قال عمر بن الخطاب t: لو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلًا واحدًا؛ لخفت أن أكون أنا هو، وقال الحسن رحمه الله: كان عمر t ربما توقد له النار، ثم يدني يديه منها، ثم يقول: يا ابن الخطاب، هل لك على هذا صبر؟!
وسمع عمر بن الخطاب t رجلًا يتهجد في الليل، ويقرأ سورة الطور فلما بلغ قوله تعالى:
( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِن دَافِعٍ) ( الطور: 7 –
.
قال عمر t: قسم حق ورب الكعبة، ثم رجع إلى منزله، فمرض شهرًا يعوده الناس، لا يدرون ما مرضه.
وعن عبد الله بن الرومي قال: بلغني أن عثمان t قال: لو أني بين الجنة والنار، ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي؛ لاخترت أن أكون رمادًا، قبل أن أعلم إلى أيتها أصير.
وكان من السلف من إذا رأى النار اضطرب، وتغيرت حاله، وقد قال تعالى: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ) ( الواقعة: 73 ).
قال مجاهد وغيره رحمهم الله: يعني أن نار الدنيا تذكر بنار الآخرة.
وعوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه، وقيل له: لو كانت النار خلقت لك؛ ما زدت على هذا، فقال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي، ولإخواننا من الجن والإنس، أما تقرأ: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) ( الواقعة: 73 ),
(يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ) ( الرحمن: 35 )، فقرأ حتى بلغ: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) ( الرحمن: 44 ).
وعن أبي مهدي قال: ما كان سفيان الثوري ينام إلا أول الليل، ثم ينتفض فزعًا مرعوبًا ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات, ثم يتوضأ ويقول على أثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار.
إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع إصبعه فيه، ثم يقول: (حس، حس)، ثم يقول: يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
وقال مالك بن دينار: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبت، مالك لا تنام والناس ينامون؟!! فقال: إن النار لا تدع أباك ينام.
وقال الحسن: إن لله عبادًا كمن رأى أهل الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار معذبين، وقال أيضًا: والله ما صدق عبد بالنار قط؛ إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره؛ لم يصدق بها حتى يهجم عليها.
__________________